الاثنين، 28 يونيو 2010

يوميات مصرية 1


ما لا حظته في يومي أن التناقضات باتت تملأ حياتنا حتى صار الحليم حيرانا من هذه الفتنة التي تذهب بعقل الرشيد
بدأ اليوم في انتظار ما يقلني للعمل فإذا ب ( تباع ) في سيارة ميكروباص يجد أن الشارع به عسكري مرور بسيط بدون ضابط أو أمين شرطة فإذا بهذا الصبي يمد يده و( يلسع العسكري على قفاه ) جن جنون العسكري وأمسك تلابيب التباع وتجمع الناس فلم أسمع من العسكري سوى عبارة:
هو أنا عشان عسكري
وثارت المشاعر المتناقضة في داخلي فقد تعاطفت مع العسكري البسيط الذي له كرامة لم ينل منها فقره ومن حقه المدافعة عنها ضد صبي سليط اعتدى عليه ثم تعاطفت من التباع الذي بالتأكيد يرى الأمرين طوال يومه فلابد أنه دفع رشوة لأمين شرطة من قبل أو ( راضى ) عسكري ليتركه كي ( يحمل ) من الطريق وبالتأكيد تعرض من قبل للإهانة على يد ضابط يريد أن يثبت سلطته على من يستطيع إثباتها فربما هذا الضابط هو نفسه الذي شاهدته في الطريق وهو ينال قدرا كبيرا من السباب والاستهزاء من امرأة لمجرد أنها قريبة أحد الوزراء .
توقفت هنا عن الشعور والتعاطف وبرقت في رأسي فكرة كدت أهتف معها:
وجدتها وجدتها ( وإن كان جسدي لا يزال مستورا لست كأرشميدس عندما قالها وإن كان عقلي هو العاري تماما من أغطية اليقين)
وما وجدته اكتشفت أن الكل قد اكتشفه قبلي وأن ما ادعيته من عبقرية لم يكن سوى أضغاث أحلام وما أنا بتأويل الأحلام من العالمين.
أما ما وجدته فهو أننا في غابة يأكل فيها القوي الضعيف بل أن الغابة أفضل حالا من حياتنا فعلى الأقل لا يأكل الأسد فريسته إلا إذا احتاجها فإننا لم نجد أسدا أبدا يذل فريسته قبل أكلها أو يقوم بتعذيبها قبل قتلها فالعسكري ربما كان وحشا كاسرا على امرأته ثم ينقلب لقطة أمام ضابطه والتباع الذي يقبله الأسطى كل يوم في تحية الصباح بصفعة هو نفسه الذي صفع العسكري الذي لو كان معه أمين شرطة ما تجرأ التباع عليه.
وفي الطريق رأيتها كأني أراها لأول مرة رغم اعتيادي رؤيتها كل يوم إنها امرأة عجوز قطنت السنوات وجهها وتساقطت أسنانها تقف في الإشارة تشحذ تحت ستار بعض أكياس المناديل الخجولة في يدها والتي تعلم أنها لا عمل حقيقي لها
منذ شهور انتقبت هذه المرأة ووقتها لم ألتفت لذلك لكني هذه المرة توقفت عند هذا النقاب وتساءلت:
ترى ما السبب؟
فالمرأة عجوز لا تحمل أي قدر من الفتنة أو الجمال ليست بمطمع للرجال بل أظنها أكبر سنا من جدتي رحمها الله
هل بهذا النقاب تخفي خجلها من التسول؟
أم تراها تستخدم النقاب ل ( تحنن ) قلب المارة ليعطوها سؤلها؟
أم أنها استمعت للشيوخ الذين تركوا كل مشكلات الأمة واقتصروا في حديثهم على إثبات فرضية النقاب على النساء بل وصارعوا وحاربوا أعداء وهميين من أجل ذلك بعد أن تركوا الأعداء الحقيقيين لعدم قدرتهم على مقاومتهم؟
بعد ذلك وصلت العمل فوجدت الكل ساخط على إحدى العاملات والتي تقوم بدور المدير الغائب في هذا اليوم فهي توبخهم لتأخيرهم وتهددهم بالخصم وحساب اليوم غياب وأشياء أخرى رغم أننا في هذه الأيام بلا عمل ولا يوجد ما يدعونا من الأصل للذهاب للعمل لولا أوامر المدير
وعدت لأتساءل:
هل معها الحق فيما تفعل؟
إنها بالفعل تطبق القواعد ومواعيد العمل من التاسعة للواحدة ومعها كل الحق فيما تفعل لكن....
أيضا الموظفون معهم كل الحق فلا يوجد عمل ولا داعي لذهابهم والكل يعلم أن هذه الموظفة لا يهمها انضباط العمل واحترام قواعده بقدر اهتمامها بإعلان سلطتها وسيطرتها على الأمور لتشبع رغبتها في التسلط على عباد الله ولو لأيام معدودات تعوض بها رغبتها في القيادة ومذلتها أمام المدير الذي يضهدها دوما ويحاول أن يؤذيها

لقد احترت كثيرا في محاولة تحديد وجهة الحق مع هذه الأطراف وإن كنت تيقنت أننا في عالم كاذب مليئ بالعقد النفسية ولابد من طبيب نفسي ماهر لعلاج المصريين جميعا
ألا يدلني أحد على عنوانه؟!