ما إن انتهت الثورة حتى بدأ كل فصيل يفكر في مصلحته الفكرية الخاصة واكتشفت أن النظام السابق قد نجح في شق الصفوف لا لمهارة فيه ولكن لاستعداد فطري عند فصائل المجتمع للفرقة فكل فصيل يرى المشهد يتمحور حوله ولا يتخيل أن يكون في المشهد معه مخالف له واختصرنا المشهد في صراع بين دعاة إسلامية ... إسلامية لا مدنية ولا ديمقراطية وبين دعاة فصل الدين عن السياسة ولولا ما تبقى من العقلاء لأصبحت فتنة تأكل كل مكسب تم تحقيقه في الشهور الأخيرة
بالطبع لا يتمنى المسلم أكثر من أن يعيش في مجتمع ملتزم بالقيم الإسلامية يمثل الإسلام فيه الأساس الذي ينبني عليه بنيان المجتمع بأسره يتمنى ذلك كل مسلم دون أن يسال نفسه وهل هو أهل لأن ينعم الله عليه بهذه النعمة وبالطبع يغتر البعض بلحاهم وبآلاف المريدين حولهم والذين تحولوا إلى مسوخ بشرية لا عقل لها تقاد كما تقاد البهيمة إلى الذبح فيقول هؤلاء المغرورون نعم نحن أحق بها وأهلها ولكن الحقيقة انهم أنفسهم هم الذين أعطوا الحبل لمنتقديهم كي يلفوه حول رقابهم ورقاب أفكارهم الميتة المميتة
لذلك وجدنا من أبناء الإسلام أنفسهم من يرفض أن يعيش المجتمع تحت حكم إسلامي فسارع إليه من عينوا أنفسهم نواب عن الله في أرضه ليقذفوه بالكفر والعلمانية والعمل ضد دين الله ظنا منهم أن العيب فيه لا فيهم ولم يفكروا للحظات ما الذي دفع مسلما موحدا كي يرفض حكمهم الإسلامي – بالطبع أعلم أن بعض الرافضين هم تربية الغرب ومريديه – لكن هل وجد الذي تربى على يد الغرب ما يغريه في نبذ الأفكار التي تعلمها على يد صانعيه كي يعتنق أفكارا أخرى تبدو أرقى وأعظم
هو وجد في بضائع الغرب ما يعلي من قيمة الإنسان وحريته وضرورة الثورة على الظلم والمحافظة على حقوق الإنسان ووجد عندكم بضاعة مزجاة لا يقبلها إلا ذوي الأذواق السقيمة فوجد عندكم الشورى غير ملزمة للحاكم ووجد الثورة ضد الظالم حراما لا يجوز ووجد أنوفكم تندس في أدق تفاصيل حياته حتى لا يبقى لحريته مكان
إنه عندما فكر في الحكم الإسلامي وجد انطباعا بأنه يتصف بالآتي:
التعالي على الآخرين فهم المتقون الملتزمون أصحاب اللحى والبقية عصاة يحتاجون للسادة كي يهدوهم
اعتبار كل علاقة بامرأة هي علاقة آثمة لا تجوز وينتظر أن يرى في ظل حكمكم شرطة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتدخل في أخص خصوصياته وتستبيح حياته
وجدكم لا تدرون عن عصركم شيئا تريدون أن تعيشوا حياة الأقدمين حتى وإن تغيرت الظروف
وجد تجارب معاصرة فاشلة للحكم الإسلامي فوجد في أفغانستان سجنا كبيرا وفي السعودية عائلة ظالمة تجعل من الشيوخ لعبة في أياديها يحللون ويحرمون لها ووجد في إيران من يحكم برأيه وينسب رأيه لله فهو المعصوم الذي لا يخطئ ووجد في السودان من يجلد النساء لارتدائهن البنطال ثم لا يتورع عن سرقة شعبه أو حتى التضحية بجزء من ديار الإسلام فيقسمها إلى شمال وجنوب
وجد في حكمكم ظلما للنساء فهن الجواري القابعات في الخدور ينتظرن الفحول في الفرش لا عقل لديهن ولا روح ولا علم ولا حياة إلا جسد عليها أن تزينه طوال اليوم كي ترضي فحلها
وجدكم مولعين بالقطع والجلد والرجم دون التفكير في كيفية إبعاد الناس عن هذه العقوبات وكأنكم ستقتربون من الله بعدد الأيادي المقطوعة والظهور الممزقة والجثث المرجومة رغم أن رسولنا الكريم ولنا فيه الأسوة الحسنة كان أبعد الناس عن تطبيق الحد كلما أمكن
وجد لسانكم لا يجيد إلا كلمة حرام فتختارون من الآراء أصعبها ومن الأحكام أعسرها
وجدكم تواقين لظلم غير المسلمين في بلادكم فهم المواطنون في الدرجة العاشرة الكفار الذين لولا الوصية بهم لتخلصنا منهم الذين يجب أن يعيشوا راضين بالفتات الساقط لهم من موائد أسيادهم
وجدكم لا تقدرون الفن فهو بالنسبة لكم عفن يسري في بدن الأمة وبالنسبة لهم صانع الحضارات ومحرك الوعي والإدراك فوجد عندكم الموسيقى حراما والنحت أصناما والسينما خطرا عظيما والرواية فنا شهوانيا بذيئا
وجدكم تملون سريعا من أي معارض فهو عندكم إما كافر أو فاسق أو جاهل إلى آخر هذه التهم الجاهزة التي تعلبونها محفوظة لتخرجوها وقت الحاجة
وجدكم تسعون للتصادم مع الغرب فهم الكفار فهذا هو الشرق الملحد وذلك الغرب الصليبي المتآمر جميعه عليكم بل وحمدتم الله أن الله سخرهم لكم كي يصنعوا التكنولوجيا الحديثة كي تتفرغوا أنتم لعبادة الله فبئس القوم أنتم
وجدكم لا تعترفون بحرية الرأي تصادرون ما يخالفكم وإن لم تقدروا على مصادرته احطتموه بتهم الكفر والإلحاد والدعوة إلى المجون كي ينفر منه الناس الذين استعبدتموهم بخوفهم من النار وكأنكم ملكتم زمامها وأوقفتم حراسكم على أبوابها
وجدكم تسعون إلى حب الانتقام لا السعي نحو الخير للناس الخاطئين وقارنوا بينكم وأنتم تهاجمون بيوت الدعارة وتفضحوا أهلها وتلقونهم في الشارع ليزدادوا إثما وبين رجب الطيب أردوغان الذي واجه هذا الأمر في بلاده تركيا بأن بحث حالاتهم ووفر لهم العمل الشريف فأقلعوا عن فسقهم
والخلاصة يا سادة أنكم لم تقدموا مثلا يحتذى كي يسعى الناس خلفكم لتطبيق الحكم الإسلامي وهذا كله وأنتم خارج منصة الحكم فكيف بكم إن ملكتم المقاليد وصار السيف والسوط بأيديكم
إن الحكم الإسلامي أسمى كثيرا مما تدعون إليه فهو الكمال المطلق والعدل في أسمى صوره فالحكم الإسلامي هو الذي يحافظ على حقوق غير المسلمين قدر محافظته على حقوق المسلمين
وهو الذي يرغم حاكمه على الشورى التي هي الديمقراطية التي كفرتم الداعين لها
وهو الضامن لحرية كل فرد من المحكومين به
والحكم الإسلامي هو الذي يميز بين ما هو شخصي لا حق له في التدخل فيه كالحجاب والصلاة في المسجد وبين ما هو جماعي كالاختلاس وتجارة المخدرات فيكون له الحكم فيه
الحكم الإسلامي هو التفريق بين حكم الحاكم الذي يصيب ويخطئ وبين حكم الله فلا يخلط بينهما ولا يدعي قداسة لحاكم أو عالم أو شيخ
الحكم الغسلامي ليس به طبقة الشيوخ الذين لابد أن ينظروا في كل حكم أو قرار ليباركوه سواء علموه أو جهلوه
الحكم الإسلامي يعطي المراة مكانتها كشريك للرجل لا تابع له ويعلي قيمة الفن ويسعى لإنقاذ الناس والرقي بهم ويتسع صدره للخلاف ويقيم علائق الخير والحب مع الغرب المسالم ويستطيع الدفاع عن وطنه ضد المعادي
هذا هو الحكم الإسلامي فانظروا أين أنتم منه لتعلموا أنكم على نقيضه وأن ما تدعون إليه هو حكم غير إسلامي وتذكروا أن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون