"وجهلة العباد يستمسكون بالدين استمساكا شديدا ، ويتعصبون له تعصبا ظاهرا ، ولكنهم في ساعة رعونة وغباء يقفون منه الموقف الذي يلحق به الأذى والمعرة ، ويجر عليه المتاعب الجمة ، أما أولو العلم فإن بصيرتهم الذكية تحكم مسلكهم وتلهمهم الرشد .. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"..
لم يظهر مصطلح الاختلاط في الفقه الإسلامي إلا مؤخرا عندما بدأت الدعوة إلى تحرير المرأة ونزولها إلى معترك الحياة تساهم في بناء المجتمع وتقتنص دورها من بين أنياب الرجل فهال الأمر بعضا من رجال الدين الذين غلبوا العادات والتقاليد على كتاب الله ومراده والذين تحكمت فيهم سمات الرجل الشرقي فذهبت بقدرتهم على تحليل الأمور وغلبت فيهم عقلانية الدين وحتى يبيتوا مستريحي الضمائر جعلوا قيودهم على المرأة نصوصا دينية فقاموا بلي أعناق النصوص كي تتواءم مع رغباتهم وأفكارهم
وهنا لابد من أن نرسي دعائم قاعدة هامة ألا وهي أن خدمة دين الله والحرص عليه يكون في الوقوف على حدود الله كما أنزلها لأن هناك من يعتقد أت التحريم أولى من التحليل وأن الله لن يغضب علينا إذا حرمنا الحلال ولكنه يلعننا إذا حللنا الحرام لا يقولونها بألسنتهم وإن صدق ذلك فعلهم
ولننظر الآن في القضية موضع البحث فالاختلاط كلمة اكتسبت معاني سيئة في الأذهان حيث أصبحت مرادفا لنزول المرأة إلى الشوارع وإلى العمل تزاحم الرجال ويزاحمونها تلقي بالنكات بينهم وتتعرف بهم فتفقد حياءها وأنوثتها وتصبح أقرب للوقوع في الرذيلة والفحشاء
هكذا جعلوا النتيجة الحتمية لنزول المرأة إلى معترك الحياة وكل من تربى على ذلك رالتفسير للاختلاط يكون الأمر له مرنرطقيا إذا سمع من يحرم هذا الاختلاط الذي سيؤدي بالضرورة إلى فقدان الحياء والسقوط في هوة الرذيلة والفحشاء
ولأن المقدمات خاطئة كان لابد أن تؤدي إلى نتائج خاطئة فإننا يجب أن نعرف الاختلاط على أنه ممارسة المرأة لدورها المجتمعي في الحياة والذي يشترك فيه معها الرجل فإن نظرنا القاصر قد جعل جل دور المرأة يقتصر على بيتها حيث تربي وتنظف البيت وتتجمل منتظرة رجلها كي يأتي آخر الليل منهكا فيكون دورها الترفيه عنه وتخفيف الضغوط عليه متناسين أنها لها دورها في بناء المجتمع والمساهمة في نهضة الأمة سواء بعمل تحصل منه أجرا أو بتطوع تؤدي فيه دورها تجاه أمتها ولا حاجة لي – لولا عقول تحترف سوء الظن – أن أقول أن دور المرأة في بيتها دور مقدس له الأهمية الكبرى في حياتها وأن خدمتها لمجتمعها وأمتها لا يجب أن تدفعها للتقصير في واجبها الأهم تجاه بيتها
فلماذا نحرم الأمة من امرأة مبدعة متفوقة تستطيع أن تحسن العمل وتتقنه أفضل من كثير من الرجال فعدل الله يقتضي اختيار الأكفأ والأنسب للعمل سواء كان رجلا أو امرأة
إن الاختلاط كلمة عامة لا يمكن أن نحكم عليها بالحل والحرمة دون أن نكمل بقية أركان الصورة تماما كتجارة العنب لا يمكن أن نحكم عليها بالحل والحرمة دون أن نعلم إلى من سيبيع التاجر بضاعته هل لآكل فتكون حلال أم لصانع خمر فتكون حراما فإن امرأة اختلطت بالرجال وهي محافظة على أخلاقها وحيائها تعمل يدا بيد مع الرجال وتساهم في بناء أمتها دون أن يؤثر ذلك على بيتها وتربيتها لأولادها فقد اكتملت الصورة المشرفة للمرأة المسلمة وإن اختلطت بالرجال تداعبهم ويداعبونهت تغريهم بالنظرات السارحة والكلمات الخاضعة ويغرونها بالكلام المعسول فقد اكتملت الصوررة المهينة التي لا تليق بامرأة مسلمة
ويجب أن نعلم أن حبس المرأة لا يعني بالضرورة منعها من الوقوع في الخطأ وكلنا يعلم حال نساء في بعض الدول الإسلامية تم حبسهن فازددن جرما وفحشا فالمراة الساقطة لا تنتظر أن تختلط بالرجال لتسقط ولكنها قد تدعوهم إلى مخدعها المحبوسة فيه والأخبار في ذلك كثيرة ومتواترة أما التقية النقية فهي التي تصنع الحواجز حولها ولو اجتمع إليها ألف رجل ولا يقول قائل : إنهم قد يؤثرون على أخلاقها باقترابهم منها وإصرارهم على إفسادها لأنني والحمد لله لا أقول هذا الكلام في عصر قاسم أمين حيث أباح الاختلاط في سابقة هي الأولى في عصره فلم يكن متكئا على تجربة سابقة يدلل بها على صحة موقفه فهو كان لا يزال يقترح أمرا ربما يسهل التشكيك فيه لعدم حدوثه قبلا أما في حالتي فالتجربة قد نضجت وصرنا في اختلاط دائم منذ عشرات السنوات وكلنا نرى الصنفين صنفا أغلب وهو صنف المراة التي اختلطت محافظة على شرفها وحيائها وصنفا أقل وهو صنف الساقطة التي كانت ستسقط سواء كانت وسط الرجال أو مبعدة عنهم ولكننا لا نريد أن نصدق ذلك فقد تربينا على أن المحرك الأول للعلاقة بين الرجل والمرأة هو الجنس وأن ما من رجل يتعامل مع امرأة إلا والجنس هو محور تعامله معها حتى فوجئت بفتوى سعودية غريبة تحرم على المراة التعامل مع الإنترنت دون محرم لأنها كما أدعى صاحب الفتوى قد فطرت على الشهوة وأن طبيعتها هي العهر لذلك لابد من وجود محرم بجوارها يمنعها من استخدام في إشباع شهواتها وعهرها
والسؤال هنا وهل تأمن أيها المفتي أن تتزوج من ذلك الجنس الذي تحرقه الشهوة والعهر الذي يحتاج إلى حراسة دائمة حتى لا يقع في حبال هذه الشهوة
إن هذا الفرض خاطئ من أساسه فالجنس ليس محور الحياة ولكنه أحد أدواته إما استطعنا أن نتحكم فيه بالإيمان والتقوى والتربية الصالحة وإما تركناه يتحكم فينا والزمام في ذلك بأيدينا ولن يفلت هذا الزمام منا إذا تعامل الجنسان معا في حدود الاخلاق والتقوى
ولنا في رسول الله وصحابته الأسوة الحسنة فنراهم يعتمدون على النساء في الحروب في مداواة الجرحى – وهل يداوي الجريح إلا مختلطة به – ونراهن يملأن مسجد رسول الله في الصلوات ويكثرن حتى يخصص لهن بابا بل ويصلون خلف الرجال بلا ساتر ولا حاجز وينزلن إلى الصلوات الخمس جميعها حتى يملأن الطرقات ونجد منهن من تقف في مسجد رسول الله لتناقشه وتجادله وتسأله وسط جمع من الر جال فيجيبها ولا ينهاها ونجد منهم المحاربات والطبيبات والتاجرات بل والعالمات وما أكثر من نجد في بطون كتب التراث من يأخذ العلم عن النساء حتى نجد للإمام السيوطي مثلا عشرات الشيوخ من النساء اللائي أخذ عنهن العلم ولأن المرأة كانت في هذا العصرر تقوم بواجبها تجاه أمتها تقدمت الأمة وسادت وصارت القوة الأولى في العالم أجمعغ أما عندما اخترعنا الحرملك وسجنا النساء في البيوت وجعلناها مجرد وعاء يفرغ فيه الررجل شهوته وعينا الحارس الخصي على حجرات النساء من وقتها والأمة في انحدار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه
إننا لا يمكن أن نعود إلى مكانتنا الأولى ونحن لا نزال نحاول بعض المتصلبين الغائبين عن الوعي والعصر بإمكانية قيادة المراة السيارة في حين أنها في بلاد تقدمت وأذلتنا تقود معامل العلوم وتجري التجارب في المختبرات بل وتقود الجيوش وتصنع الانتصارات
ويا كل متصلب غائب عن الوعي ليست هذه دغوة للانحلال والفجور وليت هذه دعوة للمرأة كي تسقط في الفحشاء والرذيلة فهذه كلها أوهام في رأسك الفخارية التي تنتظر طرقة خفيفة من مطرقة الحق كي تنكسر ولكنها دعوة أولا للمرأة كي تحافظ على حيائها وأنوثتها ثم هي دعوة ثانية لها كي تقوم بواجبها وتساهم في نهضة أمتها
واعلم أيها المتصلب الغائب عن الوعي أن المرأة الصالحة ليست تلك التي نمنعها عن الرذيلة بالحراس والأبوةاب والحواجز فنجعلها مشتاقة لأن تحطم كل هذه الموانع لتقع راضية في الرذيلة ولكن المرأة الصالحة هي التي تحافظ على حيائها وصلاحها وسط كل المغريات خصوصا أن الحراس والأبواب والحواجز لن تمنع الساقطة من السقوط وأن الاختلاط لن يدفع الصالحة للفاحشة
وكفانا عدم ثقة في أنفسنا وفي نسائنا فنحن بهذا الوسواس القهري كأننا نقول عن أنفسنا أن نساءنا ساقطات فاحشات ينتظرن الفرصة للسقوط وأننا يقظون لمكرهن كي نمنعهن عنه
إن سيل الحق أتى فإما أن تجهزوا سفن العمل والنهضة لتسيروا معه بل فوقه أو أن تتحجروا مكانكم فتغرقوا في قعره
إن سيل الحق أتى فإما أن تجهزوا سفن العمل والنهضة لتسيروا معه بل فوقه أو أن تتحجروا مكانكم فتغرقوا في قعره
هناك تعليق واحد:
رائع فتح الله عليك
إرسال تعليق